تجمّع فلسطينيين للحصول على مساعدات تلقيها الطائرات وسط الهجمات الإسرائيلية (Getty)

المجاعة.. كلمة محرَّمة في القاموس الغربي

يُفاجَأ المتابِع حين يعاين قلّة النصوص العربية – الأدبية منها والفكرية – التي تناولت ظاهرة المجاعة في العالم العربي إبان الحروب التي هزّته خلال القرون الماضية، باستثناء صفحات تاريخية نادرة خُصّصت لوصف المجاعات والأوبئة التي عصفت بمناطقه الحضرية والريفية. فنجد استثناءات قليلة مثل ما كتبه الضابط البيروتي عبد الله دبوس، الذي صوّر في مذكراته واقع مدينته إبان الحرب العالمية الثانية، وكيف تفنّن الجنود العثمانيون في سرقة الطعام وترك الأهالي ضحية الجوع.

من جهته، صوّر نجيب محفوظ في ملحمة “الحرافيش”، في فصل “سارق النعمة”، هذه الآفة، وهو ما حُوّل إلى فيلم الجوع من بطولة سعاد حسني. وثمّة أيضاً دراسة للمؤرخة الأميركية ميلاني تانيليان بعنوان “المؤسسات الخيرية والحرب: المجاعة والمساعدات الإنسانية والحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط” (2017)، تتبّعت فيها مظاهر هذه الجائحة وعواقبها الكارثية. وما عدا ذلك، نجد مقالات جزئية متناثرة، كأنما يشترك الجميع، بلا وعي، في إقصاء هذا الموضوع بوصفه “ثيمة” أدبية ومحوراً دراسياً، لأنه غالباً ما يعيد الغرب إلى واحدة من أحلك فتراته.

التجويع أكثر من “هندسة لكسر إرادة الشعوب”، بل علامة على تحلل الضمير الأخلاقي. ولذلك تُكابر إسرائيل، ومعها قادة بعض الدول الغربية، لإقصاء كلمة “المجاعة” توصيفاً لما يجري منذ أشهر في قطاع غزّة، وتطاردها كأنها تطارد تهمة فاحشة. فقد صدرت الأوامر الرسمية بتجنّب استخدام كلمة “مجاعة” والتشكيك في مَن يستخدمها. فلماذا يخاف الغرب من هذه المفردة إلى هذا الحدّ ويطاردها مطاردة الساحرات؟

على صعيد المعجم، تكاد مفردات حقل “المجاعة” تغيب من سجلات الضاد المعاصرة، حيث اقتصر استخدامها خلال عقد التسعينيات وما قبلها على معاناة بعض دول أفريقيا بسبب الجفاف والحروب والنزاعات الإثنية.فباستثناء السودان واليمن، لم يعرف العالم العربي المعاصر هذه الظاهرة إلا نادراً. أما مفردة “التجويع”، فنظنها مستحدثة، لأنها تحيل – في سياق حرب الإبادة في غزّة – إلى سلاحٍ يستخدمه الاحتلال الغاشم لمعاقبة شعب بأسره وكسر إرادته؛ مما يجعل منها مصطلحاً قانونياً ينتمي إلى السجل الجنائي الدولي.