لما قال الله للملائكة: “إني جاعل في الأرض خليفة”، قالوا: “نحن نسبح بحمدك ونقدّس لك”. وعندما أمرهم بالسجود لآدم، سجدوا جميعاً إلا إبليس؛ أبى واستكبر. ولماذا؟ لأنه ـ كما تقول الجملة الساخرة ـ “طلع إبليس بحب الله”. بهذه العبارة، قدّم المخرج محمد الدايخ والممثلان حسين قاووق وحسين الدايخ مسرحيتهم “طلع إبليس بحب الله” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فاتحين الباب أمام جمهورهم لدخول لعبة فكرية تمزج الدين بالفلسفة والكوميديا السوداء.
المسرحية التي بدأت عروضها في السابع من الشهر الجاري، على خشبة مسرح البوليفار، وتعرض أيام 21، و22، و23 منه، تفتح الستارة على فضاء ضيق يضغط على الجسد والروح معاً: جدران نصفها خشب مهترئ ونصفها جص متشقق، وورق حائط أزرق فاتح يلصق بالخشب، فيما شمعدان حائطي يحمل لمبتين شاحبتين لا تكادان تنيران المكان.
إلى اليمين، مطبخ صغير بحوض معدني صدئ وبعض الأطباق المبعثرة، ورف خشبي مائل يحمل كتباً وأواني قديمة. إلى اليسار، أريكة رمادية متآكلة، وطاولة قهوة عليها فنجان شاي نصف ممتلئ، وتحتها مجلات مبعثرة، بينما تظهر حقيبة سوداء شبه مغلقة على كرسي جانبي، وكأنها في انتظار مغادرة أو وصول شخص.
وسط هذا الفضاء يقف إسماعيل (حسين قاووق)، بشعره الكثيف ولحيته غير المشذبة، مرتدياً سترة بنية فضفاضة عليها رقع، وقميصاً رمادياً وبنطالاً داكناً. يمسك السماعة الأرضية بيد ويرفع إصبعه الأخرى، وكأنه يصرخ في محكمة خفية: “أنا كيف بدي عيش طبيعي؟ أنا ولا مرة عشت طبيعي”.
هذا الجزء الأول يمتد على شكل مونودراما، حيث يعكس النص صراع إسماعيل الداخلي، مرارة حياته، وخيباته اليومية، مع لمسات من الكوميديا السوداء التي لا تهدف إلى الهروب من مأساة الانتحار، بل تعمل كفخ فلسفي: فالضحك يمهّد للجمهور للانغماس في الأسئلة الكبرى، فيجد نفسه أمام مرآة قاسية تعكس هشاشة إيمانه بعدالة العالم وهشاشة التعريفات الجاهزة للخير والشر، للطاعة والتمرد.