بينما نحن نشكو بانتظام من تراجع أداء وسائل الإعلام لدينا، وعدم قدرتها على تلبية توقعاتنا.
في حين ينتقد البعض غياب أو ندرة المؤسسات الجدية للرأي العام، ويشككون في مناهج الاستطلاعات الأجنبية، مُعتبرين أنها “عرضة للتلاعب والتحيز”، يقول آخرون إن “ثقافة استطلاع الرأي العام” غائبة تمامًا في منطقتنا لأسباب سياسية وثقافية.
ومع ذلك، فإن جوهر هذا الشكوى المستمر لا يمكن إنكاره.
أبرز دليل على هذا الاستياء من أداء وسائل الإعلام “التقليدية” يمكن رؤيته من قبل أي مراقب: تحول ضخم بعيدًا عن القنوات التقليدية نحو منصات التواصل الاجتماعي.
هناك اعتماد مستمر من قبل جزء كبير من الجمهور المحلي على وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالعربية للحصول على الأخبار، والمعلومات، والتحليلات المتعلقة ببلدهم.
تتعقد هذه القضية بالكشف السهل تقريبًا عن الانتقادات الحادة والمتكررة لوسائل الإعلام التقليدية ونجومها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
إذا كنا نتفق على أن هذا الشعور العام بالاستياء من أداء وسائل الإعلام الوطنية موجود، وبعد ذلك نتفق على أن هناك رغبة ساحقة – وحتى إرادة سياسية معلنة – لـ”تطوير” الإعلام، فإن التوصل إلى اتفاق حول طبيعة هذا “التطوير” يصبح مهمة صعبة ومستعصية.
هذا المفارقة تخلق حالة نادرة بين تجارب الإصلاح والتنمية في مجالات مختلفة. يظهر أعراضها في تحليل الشكاوى التي تجسد هذا الاستياء العام.
نجد أن بعض النقاد يركزون انتقاداتهم على انتشار التحجر الذهني وتأصيل ثقافة تقليدية ومحافظة في ممارسات الإعلام، بينما يرى آخرون انتشار لفتح يحد من التساهل وتفكك القيم.
ونتيجة لذلك، نرى أيضًا شكاوى حول غياب الانتقاد والمعارضة، بينما ينتقد آخرون الإعلام لعدم تسليط الضوء على إنجازات الحكومة. قد يهاجم البعض التركيز الإعلامي على الشؤون الدولية والإقليمية، بينما يشكو آخرون من غياب وجود قوي للإعلام الخارجي وانسحابه إلى القضايا المحلية.
تعكس هذه التناقض الواضح فيما يحفز استياء الجمهور من أداء الإعلام الوطني الواقع أن المجتمع المصري مليء بالاتجاهات والتيارات المتعددة والمتناقضة في بعض الأحيان. وهذا، بالطبع، حالة صحية، طالما أن الأدوات المستخدمة لإدارة هذا التنوع هي احترافية وتعمل وفقاً للقانون.
من بين العوامل التي تعمق تأثيرات هذا الاستياء العام هو أن معظم النقاد يوجهون انتقاداتهم، وهجماتهم، أو اقتراحات التغيير نحو أكبر مالك ومدير شبه الوحيد لوسائل الإعلام: الدولة الوطنية. منذ إنشائها، قامت الدولة – من خلال هيئاتها التنفيذية – بإدارة، وتوجيه، وتمويل، أو السيطرة على وسائل الإعلام، باستثناء قليل جدًا.
في الواقع، هذا مأزق حقيقي، ولا أحد منا لديه حل حاسم أو نهائي له.
ذلك لأن جزءًا من المشكلة يعتمد على تضارب المصالح الذي يكون حاضرًا بالضرورة في أي مجتمع صحي. يتم تعزيز ذلك بالتنوع الفكري والسياسي والاجتماعي الذي يتطلب، والذي ينعكس بدوره في المواقف المتناقضة تجاه إدارة الإعلام ومحتواه.
ومع ذلك، فقد واجهت الدول الأكثر تنظيمًا في العالم المتقدم هذه المشكلة تحديدًا. من بين أفضل الممارسات التي اعتمدوها لمعالجة والتحكم في تأثيراتها، نجد ثلاث حلول. الحل الأول هو أن الدولة لها الحق في امتلاك وإشراف نظام ما يسمى “الإعلام العام”.
من خلال هذا النظام، يمكنها بث رسائل ومحتوى يخدم المصالح الوطنية العليا ويجسد رؤى عامة تتمتع بتوافق واسع.
ومع ذلك، يجب على الدولة أيضاً ضمان أن يعكس نظامها الإعلامي تنوع وجهات النظر داخل المجتمع. يجب أن يكون أداؤه محكوماً بمعايير إدارية ومالية ومهنية صارمة، ويجب أن يقدم منتجًا متطورًا ومتقدمًا، يكون نموذجًا يحتذى به للقنوات الخاصة.
الحل الثاني هو جعل منظومة الإعلام حرة، متنوعة، ومتعددة الأطياف.
سيسمح هذا بأن تجد كل اتجاه، مدرسة فكرية، وصاحب مصلحة فرصة للتعبير عن نفسه، طالما انهم يلتزمون بالاعتبارات القانونية والمهنية الإلزامية.
بالطبع، سيتطلب هذا تكييف الملكية للسماح بالتنافس العادل وتجنب الاحتكار والتركيز الضار في الملكية.
الحل الثالث هو إعطاء المجتمع فرصة لإدارة مساحته الإعلامية الوطنية من خلال تمثيل متنوع، وواسع، ومتوازن لمجموعاته المختلفة. سيزيل هذا الأسلوب الذريع للشكاوى العامة ويسمح لوسائل الإعلام بكسب الثقة العامة الكافية والرضا المناسب.
سيمكنهم أيضًا من تحقيق الدور المفترض لهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وضمان النزاهة الضرورية، والحفاظ على المصالح الوطنية العليا.
سورة الواقعة: أسرارها العظيمة وفوائدها الروحية المدهشة
تُعتبر سورة الواقعة من أعظم السور في القرآن الكريم التي تحمل بين آياتها أسرارًا عظيمة وتأثيرات روحية قوية. هل تساءلت يومًا عن سبب تسمية...