في الساعة 3:45 مساءً يوم الثلاثاء، شنت سلاح الجو الإسرائيلي غارة جوية شديدة على العاصمة القطرية الدوحة بعد تلقي معلومات استخباراتية تفيد بأن اجتماعًا ذو أهمية كبيرة لقادة حماس سيعقد في فيلا فاخرة شمال المدينة.
الأفراد المستهدفين شملوا رئيس المكتب السياسي، خليل الهية، والقائد السابق للحركة، خالد مشعل، والمسؤول عن قضية الضفة الغربية، زاهر جبارين، إلى جانب بسام نعيم، وغازي حمد، وطاهر النونو، مستشار رئيس الحركة.
كان من المقرر أن يتخذ الاجتماع قرارًا نهائيًا بشأن اقتراح وقف إطلاق النار الأخير من الولايات المتحدة لقطاع غزة.
أعتبرت إسرائيل اغتيال هؤلاء القادة في مكان واحد فرصة “ذهبية” نادرة لا يمكن تفويتها.
أكدت مصادر إسرائيلية أن عملية الضربة المشتركة بين الجيش وجهاز الاستخبارات الداخلية “الشاباك” حملت اسم “قمة النار”. ثم حددوا موقع الاجتماع في مبنى وصفته وسائل الإعلام العبرية بأنه “يوم القيامة”، اشارة إلى أهمية الهدف.
فعلا، قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بإطلاق ثمانية صواريخ دقيقة على المبنى، الذي يقع في منطقة راقية تسكنها دبلوماسيون وشخصيات بارزة، وبالقرب من عدة سفارات أجنبية.
تسببت الانفجارات في صوت هائل، ولكن عندما تلاشى الغبار، تفاجأت إسرائيل – أعلنت حماس في بيان مساء ذلك اليوم أن جميع قادتها بخير وأن الخسائر تقتصر على عدد من المرافقين والحراس.
الخسائر من العملية شملت رئيس مكتب خليل الهية، جهاد لباد؛ ابن كبير القادة، همام الهية؛ حارس شخصي مؤمن حسونة؛ والمرافقين أحمد المملوك وعبد الله عبد الواحد.
على جانب قطر، قتل الجندي بدر سعد محمد الدوسري من قوات الأمن الداخلي، وهو على واجب حراسة في الموقع.
ما كانت تعتبر إسرائيل فوزا استراتيجيا عسكريا واستخباريا تحولت إلى فشل صاخب.
السؤال الأساسي هو: كيف نجحت حماس في خداع وكالة استخبارات تعتبر واحدة من أقوى وكالات العالم؟ الإجابة تكمن في تكتيك بسيط ولكن ماكر للغاية. كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن قادة حماس شعروا بالشك عندما أصرت واشنطن على مشاركة خالد مشعل، على الرغم من ابتعاده عن دور القيادة.
ارتفعت شكوكهم عندما طُلب منهم الاجتماع في فيلا خاصة بدلاً من الفنادق المعتادة عليها.
دفعت هذه الشكوك بتنفيذ خطة مضادة: أرسلوا هواتفهم المحمولة إلى الفيلا مع حراسهم بينما عقدوا اجتماعهم الفعلي في موقع مختلف وسري.
بمجرد دخول الهواتف المبنى، اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أن القادة المستهدفين كانوا حاضرين استنادًا إلى الاعتماد المفرط على التكنولوجيا من دون تأكيد بشري إضافي.
النتيجة كانت أن إسرائيل قصفت موقعًا خاليًا من أي قيمة استراتيجية، بينما نجا القادة دون أذى.
أصبحت هذه العملية مثالًا حيًا على كيف يمكن للتكنولوجيا أن تصبح نقطة ضعف إذا لم تُدعم بالاستخبارات البشرية.
كانت ردود الفعل الدولية على الضربة الجوية الفاشلة غاضبة.
ذكرت مصادر أمريكية أن الرئيس دونالد ترامب اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلهجة قاسية جدًا، معبرًا عن استيائه من تنفيذ الهجوم دون تنسيق.
كان ذلك مقلقًا خاصةً نظرًا لاستهداف الإقليم الذي يخدم وساطة الحلفاء الأمريكيين.
لم تقف أوروبا مكتوفة الأيدي. أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفضه لانتهاك سيادة قطر وأكد دعمه الشخصي لأميرها. في المقابل، وصفت ألمانيا الحدث بأنه “غير مقبول”، بينما عبر رئيس الوزراء البريطاني عن قلقه وطالب إسرائيل بتغيير نهجها في إدارة النزاع.
في الوقت نفسه، أظهر العالم العربي تضامنًا واسعًا مع قطر.
زار وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الدوحة وأعلن تضامن مصر الكامل والدعم للدولة الشقيقة قطر. كما زار ولي العهد السعودي الدوحة لتأكيد دعم بلاده، وأجرى رئيس الوزراء الإماراتي زيارة تضامنية مماثلة.
أكد ملك الأردن ومعظم دول العرب موقفهم نفسه.
في ضربة كبيرة لجهود السلام، قررت الدوحة تعليق دورها كوسيط في المفاوضات، مما أدى إلى تعقيد الوضع أكثر وضعف جهود تخفيف التوتر.
يعتقد العديد من المحللين أن هدف نتنياهو الرئيسي كان تقويض دور قطر كوسيط لضمان استمرار الحرب في غزة، مما سيوفر له مكاسب سياسية داخلية ويحميه من الضغوط لإنهاء العمليات.
ومع ذلك، غمر الفشل الاستخباري أي أهداف سياسية محتملة وترك إسرائيل تواجه عاصفة دبلوماسية غير مسبوقة.
في الختام، تمكنت حماس من تغيير الأوضاع في صراع الاستخبارات بحيلة ذكية، تحويل الهواتف المحمولة إلى طعم رقمي جذاب جعل إسرائيل تضرب وهمًا.
فقدت الشاباك رهانه على التكنولوجيا، بينما فازت حماس بمعركة الاستخبارات الأمنية، مثبتة أن الحرب الحديثة لا تُربح فقط من خلال امتلاك الطائرات الدقيقة أو المعدات المعقدة للمراقبة. بدلاً من ذلك، تعتمد النصر على القدرة على تلاعب المعلومات وتوقع رد الخصم.
أثبتت معركة الدوحة أن التفكير المرن والابتكار يمكن أن يحقق ما لا تستطيع الأسلحة الحديثة تحقيقه.
من ناحية أخرى، تواصل مصر جهودها لتأمين وقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى شعب غزة.